18‏/03‏/2010

طريق غزة

“الطريق إلى البيت أجمل من البيت”


الشارع الذي أقطعه من البيت إلى المدرسة هو ذاته الذي سار فيه موسى إلى شامه، والعرب من بعده إلى المقدّس، هو ذاته الذي دخلت منه أمي إلى غُرفتها عندما تزوّجت الرب قبل أربعين سنة، هو ذاته الذي سارت فيه سيارة جارنا إلى جوار جيب عسكري يوم وُلدت داخلها وسط منع التجوال في الحي، هو ذاته الذي استفاق على ناصيته نابليون بعد ليلة كابوس على أصوات التُجار وعاد منه إلى خيبته، هو ذاته الذي خاف فيه رابين من حصاة الأطفال وتمنى له الغرق في موج المتوسط، هو ذاته الذي وُلد على قارعته الشافعي وبعد سنوات تحلّق حوله الطلاب يتدارسون الدين والشعر، هو الذي ما انفك أستاذ الجغرافيا رسمه على السبورة ووشمه على صدور التلاميذ، هو الطريق الطويل الذي يمتد من الأحشاء خارجاً كصوت المُتظاهر الهاتف بالتراب والدم إلى السماء سلّماً كروح الشهيد يطير، هو الطريق إلى أوّل المعرفة، هو انتشالك من كل إحتمالات المقبرة إلى أوّل الكون، ومن موتك الحتمي إلى معادلات الخلود، هو محاولة العبور من نفقٍ معبّد بالقذائف والشظايا إلى زمن محموم بالحضارة والنضارة، هو الحاجز، وشارة المرور، وبزة الجندي، والمتراس، وباعة الورد، والكتب السماوية، هو الطريق الذي لا تتعثر فيه البجعات غصباً لئلا يُسأل الخليفة عن أمرها، هو الطريق البيض الذي لا يكسره من يركض عليه، هو الحزم والجزم والحسم وإشتداد الصفات وقهرها، الطريق إلى غزة هو دخولك للتاريخ حافياً عارياً، وإنكتابك بكل اللهجات المأخوذة من قرى الجهات الأربع، ورسمك خارطة بحبر كُلنا يعرف لونه ورائحته، الطريق إلى غزة هو إنغماسك بالحنين ومرضك بالسراب أينما سرت، هو افتقارك للمرادفات وإنصاتك للمعالم.